غــــزة حـزينة... سماؤها تبــكي
غزة- "الحـزن.. الآه.. الألم..".. وكل مُفردات الوجـع تقف عاجـزة عن وصف أنين غـزة فما من
لغـةٍ يُمكنها استيعاب حجم صدمـة تلك المدينـة ونكبتها وهي تُودع فلذات أكبادها بالعشـرات
بهتافات الغضب وصيحـات الاستنكار على عالمٍ صامتٍ لا يـرى في الدماء النازفـة سـوى أرقام
السمـاء بدت وكأنها تُشاطر المدينة الثكـلى دموعها على فلذات أكبادها،
فرذاذ المطـر هطل بهدوءٍ حزين ليُصافح عشرات الجثاميـن وهـي تُوارى الثرى.
بقايا حُلم
الشـوارع خاليـة من المـارة والمحـلات التجاريـة أغلقت أبوابها.. الحداد
عمّ المكـان، فلا مدارس ولا جامعات.. الجميـع ارتدى الوجـوم وانطوى على
نفسـه في البيـت يُلملم جراحه.
وعلى عجلٍ سـريع أخذت غزة تُشيّع شهداءها، فالمجازر
الإسرائيلية المُستمرة لا تُمهلها الوقت لإلقاء نظرات الوداع ورسم القبلات
الأخيـرة، فثلاجات المستشفيات ما إن تفـرغ حتى تمتلئ بأكثـر مما كانت.
في كل بيت وحـارة حكاية ألم وبقايا حُلم.. فطائرات
الاحتلال الحاقدة تستهدف رضاعات الأطفال والكُراسات والأقـلام وكرة القدم
ومآذن المساجد، وكافة تفاصيل الحياة الجميلة.
بيوت على ساكنيها هُدّمت.. وعمارات سكنية بلمح البصر تحولت إلى أكوامٍ من التراب كما لو كانت مصنوعة من القش أو الكرتون.
داخل تلك البيوت لفظت الأحلام أنفاسها الأخيـرة وتحولت إلى أشلاء.. في كل رُكنٍ وزاويـة بقايا ذاكرة.
فشهيدٌ يلحقه آخـر، وأطباء في المستشفيات يُحاولون جاهدين إنقاذ ما يُمكن إنقاذه تحت هول الصدمة من شلال الدم المتدفق.
رؤساء أقسام الجراحة في المستشفيات أكدوا أن معظم الجرحى الذين استقبلوهم
مُرشحين للموت، وأن المئات منهم مُصابون في كافة أنحاء الجسم.
زوايا المستشفيات احتضنت صرخات الرجال والنساء وكاميرات تُسجّل عدد الشهداء والجرحى والدموع.
ومنهم من ينتظر
سُكان غـزة وهم يُودعون أولادهم طالبوا المقاومة،
الشاب خالد، وهو يُشارك في تشييع أقاربه، يردد بغضب: "نقول للاستشهاديين
جهزّوا أحزمتكم.. فالدم يجب أن يكـون بالدم.. ورد الصاع بصاعين.. يجب
إيلامهم وبشدة".
ما يتمناه خالد يكاد يتكرر على لسان جميع الأهالي الذين اكتوت قلوبهم بحرقة وهم يُشاهدون الأجساد الممزقـة واستهداف البراءة.
الوصايا
"أوصيك خيرا يا أمي بالأولاد"، و"شقيقي إن بقيت حيـا فأرجوك رفقا بإخوانك"، و"أبي.. أخـتي...".
هذا ما بات يُردده سُكان غزة على مسامع بعضهم البعض، فأمام احتلالٍ توعد
بإشعال "محرقـة" أخذ الجميع يسرد وصيته، فرائحة الموت تنتشر في كافة أروقة
المكان حتى في غُرف النوم.
استيقظت غـزة بعد "السبت الأسـود" ترتدي الدمـع، ولا يُغادر قلبها الحزن،
وفي السماء طائرات الموت تحوم، وعلى الأرض دبابات تنتظر صيدا ثمينا لتنقض
على لحمـه.
غـزة المخنـوقة وهي تستمع لأصوات طائرات الدمار وآلات الرعب، ترفع أكف الدُعاء تبتهل لرب السماء أن يُفرغ على قلبها صبرا فتحتمل
تحياتى