saber_200737 مدير المنتدى
المشاركات : 8501 العمر : 44 الدولة : مصر رقم العضوية : 15 التواجد بالمنتدى : الاوسمة : نقاط النشاط : 22210 تاريخ التسجيل : 13/07/2008
اضافات sms:
| |
saber_200737 مدير المنتدى
المشاركات : 8501 العمر : 44 الدولة : مصر رقم العضوية : 15 التواجد بالمنتدى : الاوسمة : نقاط النشاط : 22210 تاريخ التسجيل : 13/07/2008
اضافات sms:
| موضوع: رد: رأفت الهجان القصه الحقيقيه كامله هنا 09/11/10, 04:38 pm | |
| الفصل الثانى
مع عودة رفعت إلى مصر، بدون وظيفة، أو جواز سفر، وقد سبقه تقرير عما حدث له في فرانكفورت، وشكوك حول ما فعله بجواز سفره، بدت الصورة أمامه قاتمة إلى حد محبط، مما دفعه إلى حالة مؤسفة من اليأس والإحباط، لم تنته إلا مع ظهور فرصة جديدة، للعمل في شركة قناة السويس، تتناسب مع إتقانه للغات.. ولكن الفرصة الجديدة كانت تحتاج إلى وثائق، وأوراق، وهوية.. وهنا، بدأ رفعت يقتحم العالم السفلي، وتعرَّف على مزوِّر بارع، منحه جواز سفر باسم علي مصطفى، يحوي صورته، بدلاً من صورة صاحبه الأصلي.. وبهذا الاسم الجديد، عمل رفعت في شركة قناة السويس وبدا له وكأن حالة الاستقرار قد بدأت.. ولكن هيهات… لقد قامت ثورة يوليو1952م، وشعر البريطانيون بالقلق، بشأن المرحلة القادمة، وأدركوا أن المصريين يتعاطفون مع النظام الجديد، فشرعوا في مراجعة أوراقهم، ووثائق هوياتهم، مما استشعر معه رفعت الخطر، فقرَّر ترك العمل، في شركة قناة السويس، وحصل من ذلك المزوِّر على جواز سفر جديد، لصحفي سويسري، يُدعى تشارلز دينون والمدهش أن رفعت قد قضى بعض الوقت، في أحد الفنادق الدولية الكبرى، منتحلاً شخصية دينون، دون أن ينكشف أمره لحظة واحدة، أو يُدرك مخلوق واحد، ممن يتعامل معهم يومياً، أنه ليس صحفياً، بل وليس حتى سويسرياً، بل مجرَّد شاب مصري، يحمل شيكات سياحية، قيمتها اثنا عشر ألف دولار أمريكي، هى نتاج عمله في شركة سلتيك تورز البريطانية، مما يثبت مدى براعته، وقدرته المدهشة على إقناع وخداع كل من حوله، وتمكُّنه المدهش من اللغات ولكناتها أيضاً.. وبسبب بعض المتغيرات السياسية، في عام1953م، بدأت عملية مراجعة لأوراق الأجانب في مصر، مما اضطر رفعت إلى إنهاء إقامته في ذلك الفندق الدولي، الذى لم يُسدِّد فاتورته على الأرجح؛ لأنه قرَّر أن يغيِّر هويته مرة أخرى، وحصل بالفعل على جواز سفر جديد، باسم البريطانى دانيال كالدويل وبأسلوب إيقاف السيارات الأوتوستوب، اتجه رفعت نحو حدود ليبيا، وقد وقر في نفسه أنه لم يعد أمامه سوى أن يغادر مصر كلها.. ولقد سار كل شيء على ما يرام، حتى بلغ نقطة الحدود نفسها، وقدَّم للضابط البريطاني عندها جواز سفره البريطاني، بمنتهى الثقة والبساطة، وهو يتحدَّث معه بلكنة بريطانية صرفة.. ولكن الأمور لم تكن تسير لصالحه هذه المرة.. ففي ذلك الحين، كان الكثيرون من الجنود البريطانيين يفرون من وحداتهم في الإسكندرية، ويحاولون عبور الحدود إلى ليبيا، كما كان العشرات من اليهود يسعون لتهريب أموالهم، عبر الحدود نفسها، مما جعل الضابط البريطاني يطالبه بإفراغ كل ما تحويه جيوبه أمامه، فلم يتردَّد رفعت لحظة واحدة، وبدا شديد الهدوء والثقة، وهو يفرغ جيوبه أمام البريطاني، الذي التقط الشيكات السياحية، وفحصها في اهتمام بالغ، قبل أن يسأله عما يعنيه كون الشيكات محرَّرة لاسم رفعت الجمَّال، في حين أن جواز السفر يحمل اسم دانيال كالدويل وهنا، ارتكب رفعت أكبر حماقة في حياته، عندما قال: إنه سيوقَّع تلك الشيكات باسم رفعت الجمَّال مما اعتبره البريطاني بادرة شك، فألقى القبض عليه، وأعاده إلى القاهرة مع تقرير يشير إلى أنه لا يبدو مصرياً، أو حتى بريطانياً، وأنه على الأرجح دافيد أرنسون آخر ودافيد أرنسون هذا ضابط يهودي، كان مستشاراً للقائد التركي جمال باشا في دمشق يوماً ما، ضمن شبكة تجسُّس يهودية، انتشر أفرادها في الإمبراطورية العثمانية.. ولكن سلطات التحقيق في مصر لم تكن لديها خلفية تاريخية مناسبة، لتستوعب هذا الأمر، لذا فقد اتهمت رفعت بأنه يهودي، يحمل اسم دافيد أرنسون، وجواز سفر باسم دانيال كالدويل، وشيكات سياحية باسم رفعت الجمَّال، ولقد زاد هو الطين بلة -حسبما قال في مذكراته- عندما تحدَّث بالعربية، ليثبت التهمة على نفسه، مما جعلهم يرسلونه إلى القاهرة، وإلى مصر الجديدة بالتحديد؛ لأنها الجهة الوحيدة، التي عثروا فيها على اسم رفعت الجمَّال إلى هنا، والمذكرات لم تبتعد كثيراً عن تلك الأحداث، التي تابعناها جميعاً، في المسلسل الشهير، على شاشة التليفزيون، فقد أعيد استجواب رفعت في قسم مصر الجديدة، وحار الكل في شأنه، وافترض بعض الجنود، والضباط، وحتى المساجين، أنه بالفعل يهودي مصري، و… وفجأة، زاره ذلك الرجل.. وفي هذا الجزء بالتحديد، أعتقد أنه من الأفضل أن ننقل الحدث، كما رواه رفعت علي سليمان الجمَّال بنفسه، باعتباره أهم وأخطر نقطة تحوّل، في مسار حياته كلها، حيث يقول: رأيت في انتظاري رجلاً ضخم البنية، يوحى بالجدية، يرتدي ملابس مدنية، هادئ الصوت في ود حين يلقي أوامره. وجه كلامه للحارس الذى اصطحبني قائلاً: - يمكن أن تتركنا الآن وحدنا. واتجه ناحيتي وطلب مني الجلوس. جلست. وفي داخلي قلق حقيقي. يسيطر عليَّ مزاج عنيد وملل وضيق مما سيأتي، فقد سئمت وضقت ذرعاً من القيود التي وضعوني فيها. وعندما قدم لى الجالس قبالتي سيجارة ثنيت يدي في هدوء فانسلتا خارج القيد الحديد. تردد الرجل لحظة، ولكنه لم ينطق بشيء، ولم يستدع الحارس. فقط جلس خلف مكتبه، الذي أجلس قبالته، وقد رسم على شفتيه ابتسامة وهو يتطلع إلىَّ. قدّم لي نفسه قائلاً: - اسمي حسن حسني من البوليس السياسي. قفزت إلى رأسي علامة استفهام كبيرة: ما علاقتي أنا بالبوليس السياسي؟ إن المباحث الجنائية هي وحدها المسؤولة عن الجرائم التي يحاولون اتهامي بها. استطرد الرجل قائلاً: - لا أستطيع أن أخاطبك باسمك لأنني لا أعرف أي اسم أستخدم من أسمائك الثلاثة. يجب أن تعرف أن قضيتك صعبة جداً. ليس المسألة خطورة جرائمك، بل لأننا ببساطة لا نعرف من أنت. إن الثورة في بلدنا لا تزال حديثة عهد، بلا خبرة أو استعداد. ونحن لا نستطيع إصدار وثائق إثبات الشخصية للجميع لأننا لا نملك الوسائل اللازمة ولا العاملين اللازمين لذلك. وكما ترى فإنني صريح معك. وحيث إنك حتى هذه اللحظة مجرد مشتبه فيه، فالواجب يقضي بأن لا تبقى في الحجز أكثر من يومين. بعد هذا لابد من عرضك على قاض أو إطلاق سراحك. ولكن يجب أن نتحفظ عليك حتى تفصح لنا عن حقيقة هويتك. نحن في ثورة ولسنا على استعداد لتحمل أية أخطاء في هذه المرحلة. أنصت إليه بانتباه محاولاً تصور ما يرمى إليه. واستطرد قائلاً: - أود أن أغلق قضيتك. لا يوجد أي بلاغ عن سرقة جواز سفر بريطاني باسم دانييل كالدويل ولا أستطيع أن أفسر كيف ظهر في ملفك أنك يهودي باسم ديفيد آرونسون ثم إن رفعت الجمَّال لا توجد اتهامات ضده ولا أبلغ هو عن سرقة أى شيكات سياحية. سأدعك تخرج إلى حال سبيلك شريطة أن أعرف فقط من أنت على حقيقتك. والآن ما قولك؟ قلت له : - ألا تريد أن تخبرني لماذا أنت مهتم بي؟ واضح أنني لست هنا بسبب اتهام ما. وكان رده: - أنا معجب بك. إجابتك أسرع مما توقعت. تصورت أنه ما دام من البوليس السياسي، وهو ما أصدقه، فليس من المنطقي أن يعرفني باسمه مع أول اللقاء إلا إذا كان على يقين من أمري. كان البوليس السياسي في ذلك الوقت نوعاً من المخابرات. وعلى الرغم من ادعائه أنهم لا يملكون الإمكانيات إلا أنهم كانوا يعملون بدأب شديد. استطرد قائلاً: - أنا مهتم بك. فقد تأكد لنا أنك قمة في الذكاء والدهاء. لقد أثرت حيرة الرسميين إزاء الصور التي ظهرت عليها حتى الآن. قد تكون إنجليزياً أو يهودياً أو مصرياً. غير أن ما أثار اهتمامي كثيراً بشأنك هو أن أحد رجالنا الذين دسسناهم بينكم في حجز الإسكندرية أفاد بأن جميع النزلاء اليهود الآخرين اعتقدوا عن يقين أنك يهودي. دهشت للطريقة التي يعملون بها. لقد وصل بهم الأمر إلى حد وضع مخبرين داخل السجن للتجسس على الخارجين على القانون. وواصل حسن حسني حديثه قاصداً مباشرة إلى ما يرمي إليه فقال: - يجب التزام الحذر. أعداء الثورة في كل مكان ويريدون دفع مصر مرة ثانية إلى طريق التبعية للأجانب وكبار الملاك الزراعيين. بيد أن هذا موضوع آخر. فأنت كإنجليزي لا يعنيك هذا في كثير أو قليل. وأنا على يقين من أنك لا تضمر كراهية للشعب المصري. انفجرت فجأة قائلاً: - هذه إهانة أنا مصري، وحريص كل الحرص على مصر وشعبها. صحت وصرخت بأعلى صوتي لهذه الإهانة التي وجهها لي. وما أن انتهيت من ثورتي الغاضبة حتى أشعل سيجارة وابتسم ابتسامة المنتصر.. وعرفت أنني وقعت .
يتبع ،،،،
| |
|
saber_200737 مدير المنتدى
المشاركات : 8501 العمر : 44 الدولة : مصر رقم العضوية : 15 التواجد بالمنتدى : الاوسمة : نقاط النشاط : 22210 تاريخ التسجيل : 13/07/2008
اضافات sms:
| موضوع: رد: رأفت الهجان القصه الحقيقيه كامله هنا 11/11/10, 08:48 pm | |
|
على الرغم من التعارض الواضح، في مذكراته، مع مانشر عن تفاصيل سقوط جواسيس فضيحة لافون ، فأنا -شخصياً- أكثر ميلاً لتصديق قصة رفعت ، بل وأعتقد أن الهدف من نشر الأمر، على نحو مختلف، كان حمايته بالدرجة الأولى بعدما انتقل عمله من الشرطة والبوليس السياسي إلى عالم الجاسوسية، وتطوَّر الهدف من وجوده، في مرحلة تالية من العملية.. ولقد تم إلقاء القبض على رفعت و إيلي كوهين ، كأفراد في الوحدة 131 ، ثم أطلق سراحهما فيما بعد، لعدم وجود ما يدينهما، فاختفى بعدها إيلي ، في حين بقي رفعت ، ليواصل الحياة لبعض الوقت، باسم جاك بيتون ، الذي لم يتطرَّق إليه الشك حتماً، بدليل أن الإسرائيليين قد اتهموا عضواً آخر، من الوحدة 131 بكشف أسرارها، وهو بول فرانك ، الذي حوكم بالفصل، فور عودته إلى إسرائيل وصدر ضده الحكم بالسجن لاثني عشر عاماً.. وحتى ذلك الحين، وكما يقول رفعت في مذكراته، كانت مهمته تقتصر على التجسُّس على مجتمع اليهود في الإسكندرية ، ولكن عقب نجاح عملية الوحدة 131 تم استدعاؤه إلى القاهرة ، ليلتقي بضابط حالته الجديد علي غالي ، الذي واجهه لأوَّل مرة بأنه قد نجح تماماً في مهمته، وأن الخطة ستتطوَّر، لتتم الاستفادة به أكثر خارج الحدود، خاصة وأن سمعته، كفرد سابق في الوحدة 131 ، ستخدع الوكالات اليهودية، وستدفعها للتعامل معه كبطل.. وهنا أيضاً، أعتقد أنه من الأروع أن نقرأ تفاصيل تلك اللحظات الحاسمة من مذكرات رفعت مباشرة، عندما يقول:مرة أخرى وجدت نفسي أقف عند نقطة تحول خطيرة في حياتي. لم أكن أتصور أنني ما أزال مديناً لهم، ولكن الأمر كان شديد الحساسية عندما يتعلق بجهاز المخابرات. فمن ناحية روعتني فكرة الذهاب إلى قلب عرين الأسد. فليس ثمة مكان للاختباء في إسرائيل ، وإذا قبض عليَّ هناك فسوف يسدل الستار عليَّ نهائياً. والمعروف أن إسرائيل لا تضيع وقتاً مع العملاء الأجانب. يستجوبونهم ثم يقتلونهم. ولست مشوقاً إلى ذلك. ولكني كنت أصبحت راسخ القدمين في الدور الذي تقمصته كما لو كنت أمثل دوراً في السينما، وكنت قد أحببت قيامي بدور جاك بيتون .أحببت اللعبة، والفارق الوحيد هذه المرة هو أن المسرح الذي سأؤدي عليه دوري هو العالم باتساعه، وموضوع الرواية هو الجاسوسية الدولية. وقلت في نفسي أي عرض مسرحي مذهل هذا؟... لقد اعتدت دائماً وبصورة ما أن أكون مغامراً مقامراً وأحببت مذاق المخاطرة. وتدبرت أمري في إطار هذه الأفكار، وتبين لي أن لا خيار أمامي. سوف أؤدي أفضل أدوار حياتي لأواجه خيارين في نهاية المطاف: إما أن يقبض عليَّ وأستجوب وأشنق، أو أن أنجح في أداء الدور وأستحق عليه جائزة أوسكار. وكنت مقتنعاً أيضاً بأني أعمل الصواب من أجل مصر وشعبها. قلت لغالي: - إذا كنت تعتقد أنني قادر على أداء المهمة فإني لها. ثم كان السؤال الثاني: - كيف نبدأ من هنا؟ - سوف يجري تدريبك على العمل على الساحة الدولية. كل ما تتعلمه يجب أن يسري في دمك. هذا هو سر اللعبة. أنت مخرج عرضك المسرحي وإما أن تنجح فيه بصورة كاملة، أو تواجه الهلاك. تصافحنا علامة الموافقة وبدأت جولة تدريب مكثف. ودرست تاريخ اليهود الأوروبيين والصهيونية وموجات الهجرة إلى فلسطين. تعلمت كل شيء عن الأحزاب السياسية في إسرائيل والنقابات و الهستدروت أو اتحاد العمال، والاقتصاد والجغرافيا والطوبوغرافيا وتركيب إسرائيل. وأصبحت خبيراً بأبرز شخصيات إسرائيل في السياسة والجيش والاقتصاد عن طريق دراسة أفلام نشرات الأخبار الأسبوعية. وأعقب هذا تدريب على القتال في حالات الاشتباك المتلاحم والكر والفر والتصوير بآلات تصوير دقيقة جداً، وتحميض الأفلام وحل شفرات رسائل أجهزة الاستخبارات والكتابة بالحبر السري، ودراسة سريعة عن تشغيل الراديو، وفروع وأنماط أجهزة المخابرات والرتب والشارات العسكرية. وكذلك الأسلحة الصغيرة وصناعة القنابل والقنابل الموقوتة. وانصب اهتمام كبير على تعلم الديانة الموسوية واللغة العبرية. واعتدت أن أستمع كل يوم ولمدة ساعات إلى راديو إسرائيل. بل وعمدت إلى تعميق لهجتي المصرية في نطق العبرية لأنني في نهاية الأمر مولود في مصر. بعد التدريب تحددت لي مهنة. تقرر أن أكون وكيل مكتب سفريات حيث إن هذا سيسمح لي بالدخول إلى إسرائيل والخروج منها بسهولة، وتقرر أن أؤدي اللعبة لأطول مدة ممكنة. لم يكن ثمة حد زمني، وكان لي الخيار بأن أترك الأمر كله إذا سارت الأمور في طريق خطر. وسوف نرى إلى أين تمضي بنا الأمور. وقيل لي إنني أستطيع بعد ذلك العودة إلى مصر وأستعيد شخصيتي الحقيقية. وتسلمت مبلغ 3000 دولار أمريكي لأبدأ عملي وحياتي في إسرائيل . وفي يونيو1956 استقللت سفينة متجهة إلى نابولي قاصداً في الأصل أرض الميعاد. ودعت مصر دون أن أدري ما سوف يأتي به المستقبل. واعتباراً من هذه المرحلة، تنقلنا مذكرات رفعت الجمًّال ، التي تركها لزوجته بعد وفاته إلى تلك المرحلة الجديدة تماماً من حياته، والتي سافر خلالها إلى نابولي ، حيث التقطته الوكالة اليهودية هناك، وبذلت جهدها لإقناعه بالسفر إلى إسرائيل ، أرض الميعاد ، كما كانت تقول دعاياتهم بمنتهى الإلحاح أيامها.. وفي هذا الجزء بالذات، وربما دون أن يدري رفعت نفسه، تتبدّى عبقرية العملية كلها، إذ لم يبد هو أية لهفة، على السفر إلى إسرائيل ، إلا أنه لم يمانع بشدة في الوقت نفسه، وإنما جعلهم يعتقدون أنهم قد نجحوا في إقناعه، وتركهم يدفعونه إلى ظهر سفينة، حملته إلى إسرائيل ، التي استقبله فيها رجل مخابرات يُدعى سام شواب ، واستجوبه بعض الوقت، ثم منحه تأشيرة إقامة، وجواز سفر إسرائيلي فيما بعد، مما يؤكِّد أن عملية المخابرات المصرية قد نجحت بالفعل.. وبمنتهى القوة.. ويتحدَّث رفعت الجمَّال ، في تلك المرحلة من مذكراته، عن إنشائه لمكتب سفريات سي تورز ، في 2 شارع برينر في تل أبيب ، وصداقته مع موشي دايان ، ومحاولات سام شوب ، التقرُّب إليه، ودفعه الفاتنة راكيل إبشتين في طريقه، ومحاولاته هو لاكتساب ثقة دايان و شوب ، و عزرا وايزمان ، ثم ينتقل بنا فجأة إلى حدث شديد الأهمية والخطورة.. فمع اقترابه من مواقع الأحداث، علم رفعت بأمر العدوان الثلاثي قبل وقوعه، وعرف الكثير من تفاصيله، وسافر إلى روما و ميلانو بالفعل، بعد ترتيبات دقيقة؛ ليلتقي برئيسه، ويخبره بكل ما لديه.. ولكن أحداً لم يصدّق، أو يقتنع بأهمية وخطورة تلك المعلومات، التي أتى بها رفعت ، من قلب إسرائيل ... ووقع العدوان الثلاثي.. وحدث ما حدث..
وتساءل رفعت : لماذا لم يصدق أحدهم تحذيره!… ولكنه لم يحصل على الجواب أبداً.. وفي عام 1957م، فوجئ رفعت بزيارة من إيلي كوهين ، زميله السابق، في الوحدة 13، الذي سعى إليه، واستعاد صداقته معه، قبل أن يبدأ مهمته، التي سافر من أجلها إلى أمريكا الجنوبية ، للاندماج بمجتمع المهاجرين السوريين،تمهيداً لزرعه في سوريا فيما بعد، والتي ساهم رفعت نفسه في كشف أمرها، عندما أبلغ المخابرات المصرية، أن صورة كامل أمين ثابت ، التي نشرتهاالصحف، المصرية والسورية، إنما هي لزميله السابق، الإسرائيلي إيلي حوفي كوهين .. وفي مذكراته يمضي رفعت في سرد حياته في تل أبيب ، ويروي قصة اختيار مكتبه السياحي لإقامة الجسر الجوي؛ لنقل يهود بيروت إلى إسرائيل ، مما يؤكِّد ثقة السلطات الإسرائيلية البالغة فيه، ويمرّ خلال هذا برواية رحلته السرية إلى مصر ، في صيف 1958م، وبقصة الرحلة، التي أهداها إلى إيلي كوهين وزوجته، بمناسبة زفافهما، ثم يتوقَّف بعض الوقت؛ ليروي صداقاته وعلاقاته الوثيقة، بقادة إسرائيل في ذلك الوقت، ليقول في هذه الفقرة: كثفت اتصالاتي بكل من ديان ، و وايزمان ، و شواب ، ونظراً لصلة ديان الوثيقة بـ بن جوريون ، فقد استطعت أن أكسب ثقة بن جوريون أيضاً، وأصبحت عضواً في مجموعة الشباب المحيطين به، إذ كان يحب أن يحيط به الشباب ويستمع لآرائهم وأفكارهم. أما جولدا مائير فكانت تتميَّز بأنها امرأة عطوف، وأبدت وداً شديداً نحوي، وكثيراً ما تساءلت بيني وبين نفسي ماذا عساهم أن يقولوا عني لو اكتشفوا حقيقتي وعرفوا أني استخدمتهم ... والواضح أيضاً، في هذه المرحلة من المذكرات، أن الفترة من 1959م، وحتى 1963م، لم تحمل متغيرات قوية، تستحق الإشارة إليها، إذ قفز رفعت بالأحداث دفعة واحدة، ليروي كيف أبلغ مصر باعتزام إسرائيل إجراء تجارب نووية، واختبار بعض الأسلحة التكنولوجية الحديثة، أثناء لقائه برئيسه علي غالي في ميلانو ، قبل أن يطرح أوَّل مطلب له، منذ فترة طويلة.. أوّل وأخطر مطلب.. على الإطلاق. طوال فترة عمله، في قلب إسرائيل، لحساب المخابرات المصرية، لم يتقدّم رفعت الجمّال بمطلب واحد للمسؤولين.. حتى كان مطلبه هذا.. أن يعود إلى مصر ، ويدفن إلى الأبد شخصية جاك بيتون .. حدث هذا في يونيو1963م، قبل لقائه الأوَّل بزوجته فيما بعد فلتراود ، أي أن رغبته هذه كانت تعكس حالة الإجهاد التي وصل إليها، ورغبته الحقيقية في استعادة رفعت الجمَّال ، بهويته، وجنسيته.. وديانته أيضاً.. ولكن العودة لم تكن بالبساطة التي توقَّعها رفعت ؛ إذ لم يكن من السهل بالتأكيد، أن يختفي جاك بيتون هكذا فجأة، من قلب إسرائيل ، ليظهر رفعت الجمَّال مرة أخرى في القاهرة ؛ فهذا كفيل بكشف كل ما فعله طوال حياته.. ليس هذا فحسب، ولكن ستكشف -أيضا- شبكات التجسُّس التي تركها خلفه أيضاً.. وفي عالم المخابرات تعتبر هذه كارثة.. وبكل المقاييس.. كان عليه –إذن- أن يحتفظ بشخصية جاك بيتون لبعض الوقت، وإن كان باستطاعته أن يغادر إسرائيل ، ويرحل إلى بلد ثالث، بحجة العمل أو الارتباط، حتى يفقد الموساد اهتمامه به، بعد فترة من الوقت، مما يسمح له بالعودة إلى مصر..وعند هذا الحد، تمتزج، على نحو ما، مذكرات جاك بيتون بمذكرات زوجته فلتراود ، فيروي هو نفس ما روته هي من قبل، حول لقائهما، في أكتوبر 1963م، ووقوع كل منهما في حب الآخر، وزواجهما. ولكن هناك فقرة مهمة جداً، في المذكرات التي تركها رفعت لزوجته بعد وفاته، تستحق حتماً أن نتوقَّف عندها، وأن ننقلها هنا نصاً؛ لأنها تؤكِّد نجاحه البالغ: وعدنا إلى إسرائيل في أوائل يناير1964م، قدمتك إلى "جولدا مائير"، وأحبتك كثيراً، ثم اصطحبتك في زيارة إلى "بن جوريون"، في الكيبوتز الخاص به. رافقنا "ديان" في هذه الزيارة، وبعد أن استقبلك "بن جوريون" العجوز مرحباً، طلبت منك التجول في الكيبوتز إلى أن نفرغ من حديثنا أنا و"بن جوريون" و"ديان". لم يتناول نقاشنا شيئاً له أهمية كبيرة، ولكن كان لابد وأن أكون متابعاً لمسرح الأحداث .. إلى هذا الحد إذن كان رفعت الجمّال متوغّلاً، في قلب عالم الكبار في إسرائيل أي نجاح يمكن أن يفوق هذا والنقطة المهمة جداً، التي ينبغي التوقف عندها، في هذه المذكرات أيضاً، هي إصرار رفعت الشديد، على ألا يولد ابنه في إسرائيل ، وعلى أن تسافر زوجته لتنجبه في ألمانيا ، حتى لا يحمل إلى الأبد الجنسية الإسرائيلية.. ورويداً رويداً، راح رفعت يتحلَّل من أعماله والتزاماته في إسرائيل ، ويقوي روابطه وأعماله في ألمانيا ، وبدأ في دراسة كل ما يتعلَّق بالنفط، الذي قرَّر أن يجعل من تجارته مصدر رزقه الأساسي، خاصة وأنه قد تقدَّم بطلب للحصول على الجنسية الألمانية، التي ستتيح له السفر بيسر أكثر، ودون تعقيدات أمنية عديدة، إلى مصر ، في أي وقت يشاء، كرجل أعمال ألماني، وتاجر نفط عالمي..وفي فقرة مؤسفة، يؤكِّد رفعت أنه، باتصالاته التي لم تكن قد انقطعت بعد، بالمسؤولين الإسرائيليين، أمكنه معرفة أن إسرائيل تستعد للهجوم على مصر ، في يونيو1967م، وأنه أبلغ المسؤولين في مصر بهذا، إلا أن أحداً لم يأخذ معلوماته مأخذ الجد، نظراً لوجود معلومات أخرى، تشير إلى أن الضربة ستنصب على سوريا وحدها ووقعت نكسة1967.. وانهزمنا هزيمة منكرة.. وعلى الرغم من حالة الإحباط وخيبة الأمل، التي أصابته بسبب هذا، واصل رفعت ارتباطه بالمخابرات المصرية، وظلّ يرسل إليها كل ما يقع تحت يديه من معلومات، من خلال صداقته مع رجل المخابرات الإسرائيلي سام شواب ، حتى توافرت لديه فجأة بعض المعلومات بالغة الخطورة، لم يفصح عنها أيضاً في مذكراته ، والتي أرسلها فوراً إلى مصر ، وصدقها المصريون، وكان لها تأثير واضح، في حرب 1973.. وبعد الحرب والانتصار، عاد رفعت يطلب العودة إلى مصر ، ولكن المخابرات المصرية أخبرته أنه لا يستطيع العودة مع أسرته، إذ يستحيل أن تتم حماية الأسرة كلها طوال الوقت، من أية محاولات انتقامية إسرائيلية، إذا ما انكشف أمره.. كان على الطير أن يواصل التحليق إذن، بعيداً عن وطنه، وأن يحمل حتى آخر العمر جنسية جاك بيتون ، اليهودي الإسرائيلي السابق، ورجل الأعمال الألماني المحترم، الذي نجح في إقامة مشروع نفطي كبير في مصر ، ظلّ يزهو به، حتى آخر لحظة في حياته، ويروي في مذكراته كيف حصل على امتياز التنقيب عن البترول المصري، في عام 1977م، ليعود أخيراً إلى مصر ، التي عشق ترابها، وفعل من أجلها كل ما فعله.. وفي نهاية مذكراته، يتحدَّث رفعت الجمَّال عن إصابته بمرض خبيث، وتلقيه العلاج الكيمائي، في أكتوبر1981م، وتفاقم حالته، ثم يبدي ارتياحه، لأن العمر قد أمهله، حتى أكمل مذكراته، وأن زوجته وابنه دانيال، وابنته بالتبني أندريا سيعرفون يوماً ما حقيقته، وهويته، وطبيعة الدور البطولي الذي عاش فيه عمره كله، من أجل وطنه.. من أجل مصر .. بعد رحيل رفعت ، ومحاولاتها السيطرة على الأمور، ومعرفتها بأمر زوجها، على لسان ابن شقيقه محمد سامي الجمَّال ، في نفس يوم الوفاة، وكيف أنها لم تصدّق ماسمعته، وأنكرته، واستنكرته.. ثم تتحدّث عن المفاجأة التي تلقَّتها، مع قراءتها لمذكراته، بعد ثلاث سنوات من وفاته، وتأكُّدها مما أخبرها به محمد الجمَّال قديماً.. ويالها من مفاجأة ثم تروي فلتراود قصة لقائها بالفنان إيهاب نافع ، وارتباطها به، والدور الذي قام به، لإجراء الاتصال بينها وبين المخابرات المصرية؛ للتيقن من حقيقة ما جاء في مذكرات زوجها الراحل، ثم زواجها من إيهاب نافع فيما بعد.. والأحداث الأخيرة تختلف إلى حد ما، عما قدَّمه المسلسل التليفزيوني، وتبدو طويلة ومضجرة، وخاصة بعد خروجك من مذكرات رفعت الجمَّال نفسه، ولكن اختلافها لن يصنع فارقاً كبيراً، بالنسبة للقارئ أو المتابع؛ إذ أن كل ما يعنينا من الأمر هو أن الاتصال قد تم.. وأن العالم كله يعرف الآن أن المخابرات المصرية قد نجحت، في صفع الإسرائيليين، طوال ثمانية عشر عاماً كاملة، وزرع جاسوس مصري في قلب قياداتهم.. وقلب مجتمعهم.. بل وقلب كيانهم الأساسي كله.. وأنها كانت واحدة من أروع وأكمل العمليات، التي تم نشر شبعض تفاصيلها، في تاريخ المخابرات كله.. عملية، برع وتألّق خلالها جاسوس يعد الأشهر في عالمه، حتى لحظة كتابة هذه السطور.. بل أشهر الجواسيس.. على الإطلاق.
رأفت الهجان مات جمال عبدالناصر هزت وفاته رأفت الهجان حتى الأعماق أحس وكأن يداً تعتصر قلبه فى قسوة مروعة.. وفى البداية رفض أن يصدق سيرينا أهارونى وظن انها تمازحه مزاحا سياسيا، يرمى الى معنى لم يصل اليه، لكن الحقيقة جاءته عبر صوت تلك السيدة الذى اكتسى بحزن لم تحاول اخفاءه.. رفض كل محاولاتها للقائه فى تلك الليلة، قالت إن الامر فى حاجة الى مناقشة هادئة بعيدا عن هوس الذين كانوا يرون فى الرجل شبحا يؤرق جشعهم... ظل طوال الليل يحرك مؤشر الراديو ملتقطا كل اذاعات العالم، يستمع - وقلبه ينفطر حزنا- للعدو قبل الصديق وهم يذيعون النبأ بحزن أو شماتة... حاول فى تلك الليلة أن يبكى لكنه لم يستطع، أراد أن يبكى لعله يزيح ذلك الصخر الذى حط فوق صدره، فكاد يكتم انفاسه.. قال: إنه لم يشعر بوفاة ابيه الا فى ذلك اليوم الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970... قال: إن مشكلة عبدالناصر معه أنه احتل فى نفسه مكان الاب.. قال: إنه بعد زيارته لمصر عقب هزيمة 1967، وعثوره على الأسباب الحقيقة لتلك الحرب الضاربة التى ووجهت بها مصر، اكتشف انه اهتم - مع انغماسه فى مهمته الكبري- بإسرائيل ومشكلات إسرائيل وما كان يدور فيها، دون ان يهتم بوطنه وما كان يحدث فيه... قال: إنه اكتشف ان عليه- إن أراد ان يقوم بواجبه على الوجه الاكمل - الالمام بالصورة من كل جوانبها، فى مصر، كما فى إسرائيل، كما فى العالم العربى المحيط بهما.. لذلك، فإنه بعد عودته إلى إسرائيل، وضع نصب عينيه أن يعرف كل ما كان يدور فى مصر وما يحدث فيها من تطورات... ولقد كان، كلما أمعن فى القراءة والدراسة، يهوله الأمر... أدرك انهم كانوا لابد أن يضربوه، ويهزموه، كما أدرك بوضوح، ان واجبه اصبح اكثر ثقلا، ومسئولياته أكثر جسامة كانت نيران الأحداث تنضج رأفت الهجان على مهل فراح يمارس واجبه بوعى من يدرك حقائق الأمور... فى تلك الأيام راح يرقب ما حوله من فرح وحشى من البعض، وحزن حقيقى من الذين كانوا يرون فى عبدالناصر عقبة امام جنون البعض وبغيهم.... وهناك من كانوا يرون أن العداء السياسى شيء، والتقدير الشخصى لزعيم مثل جمال عبدالناصر شيء آخر. ولكن، كان هناك اجماع براحة عميقة، فلقد تخلصت إسرائيل، بضربة حظ لا تتكرر فى الدهر مرتين، من ألد اعدائها وأكثرهم ضراوة وفهما لحقائق الأمور! أما هو، فلقد لزم الصمت، والزم نفسه به، وامتنع عن مناقشته وتجنب الإدلاء برأيه فيه! كان لابد للحزن ان ينحسر، وللحياة أن تأخذ مجراها! ووجد رأفت الهجان نفسه أمام واجبات كانت تمتص كل وقته. كان القتال قد توقف على جانبى القناة بعد قبول مصر لمبادرة روجرز.... وكما قبل جمال عبدالناصر تلك المبادرة كى يعطى الفرصة لدفاعه الجوى ان يتحرك إلى أماكن متقدمة من الجبهة، استغلتها إسرائيل كى تدعم تحصيناتها العسكرية فى سيناء... وكذا، كان لابد لذراع الفتى ان تمتد الى كل شبر فى شبه الجزيرة المصرية، وكان هذا يحتاج الى تجنيد المزيد من الجنود، أو القيام برحلات كان بعضها يمثل خطرا حقيقيا! على الضفة الأخرى من القناة، بدأ رأفت يلمح بوادر ذلك الصراع السياسى الذى نشب عند قمة السلطة فى وطنه... والذى بلغ ذروته فى اليوم الرابع عشر من مايو عام 1971، وبدا له الامر فى لحظة ضيق- وكانت نفسه تقطر مرارة- أن الناس فى مصر نسوا واجبهم المقدس وتفرغوا لصراعهم السياسى... وعندما احتدم ذلك الصراع ووصل الى ذروته، أحس وكأنه يقف فى الميدان وحده
والى هنا تنتهى مذكرات كل من رأفت الهجان رفعت الجمال | |
|